الحج – رحلة العودة إلى بيت الله
كل عام، يهيئ ملايين المسلمين قلوبهم لهدف واحد: العودة إلى بيت الله. ذلك هو الحج — رحلة الإيمان، والحب، والتسليم. إنها عودة إلى الديار الحقيقية.
الكعبة، التي تقع في قلب مكة المكرمة، ليست بناءً عادياً، بل هي أول بيت وُضع للناس لعبادة الله، بناه آدم عليه السلام، ثم جُدّد على يد إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام. كان إيمانهم صادقًا، حتى إن إبراهيم استعد للتضحية بابنه الذي يحبّه طاعةً لله. فلما رأى الله صدقه، فداه بذبح عظيم. واليوم، يحيي المسلمون هذه الذكرى العظيمة بالأضحية، رمزًا للمحبة والثقة في حكمة الله.
الحج أيضًا تكريم لإيمان أم عظيمة — هاجر عليها السلام. تُركت في صحراء قاحلة مع رضيعها إسماعيل، فأخذت تسعى بحثًا عن الماء بين الصفا والمروة سبع مرات، يائسة ولكن مؤمنة. فاستجاب الله دعاءها، وفجّر لها ماء زمزم، الذي لا يزال يتدفق إلى يومنا هذا. ويُحيي الحجاج هذه الذكرى بالسعي بين الصفا والمروة، استحضارًا لشجاعتها وثقتها بالله.
وفي عرفات، يقف الحجاج سواسية، لا فرق بين غني وفقير، ولا بين ملك وعامل. الجميع يرتدون ثياب الإحرام البيضاء البسيطة، يدعون الله ويبكون ويرجون رحمته. في هذا المكان، نزلت آخر آية من القرآن، وهنا تتوجه القلوب كلها إلى الله وحده.
كل خطوة حول الكعبة، كل دمعة، كل همسة في الدعاء، يردد الحجاج: "لبيك اللهم لبيك" — جئناك يا الله، جئناك.
الحج ليس مجرد طقوس، بل هو إعلان أن الله هو مركز حياتنا. الحج هو العودة إليه — إلى من خلقنا، وهدانا، وينتظرنا لنرجع إليه.